الجمعة، 24 أبريل 2015

علاج الكآبة < د.علي منصور كيالي >




على الإنسـان أنْ يتقبّل أنّـه يعيشُ في [ حـياةٍ دُنـيا ] ، و ليست [ حـياةً سـامية ] ، و أحـياناً يـأتي [ الغـمّ ] لـيُزيل [ الغـمّ ] ، يقول تعالى : ( فـأثـابَتكم غَـمّـاً بغـمّ ، لكـيلا تحـزنوا على مَـا فاتكُـم و لا مـا أصـابكُم ) آل عمران 153 ، و الإنسانُ إذا تفـاءل بالفوْز في الآخـرة ، تهونُ عـليْه مصـاعب الدنيـا ، فالمسـلمُ سيكون في راحـة بـالٍ كـبيرة يوم القيامـة ، لقـولـه تعالى : ( و آمنوا بمـا نُـزّل على مُـحـمّد .... كـفّـرَ عنْهُـم سـيّئـاتهِم و أصلح بالهُـم ) محمد 2 ، و كي يعيش الإنسان في [ جنّـةٍ أرضية ] قبْل الجنّـة السـماويّة ، عليْه أنْ يُنـزّل علـيه الملائكـة بشكْل يومـيّ ، عندهـا لـنْ يخـاف و لـن يحـزَن ، و هذه غـاية السعـادة ، يقول تعالى : ( إنّ الذين قالوا ربّنـا اللـه ثُـمّ استقـاموا ، تَـتَنـزّلُ عـليْـهِمُ المـلائكـةُ ، ألاّ تخـافوا و لا تحـزنوا ) فصلت 30 .
.
[
لَـنْ يغْـلِبَ عُـسْرٌ يُسـريْن ] حديثٌ شـريفٌ :
إنّ كلّ [ عُسـرٍ ] في هذه الحياة يأتي [ معـهُ ] و ليْسَ بعْـدهُ ، يأتي [ يُـسْـرَيْن ] ، و الموضوع يحتـاجُ فقـط القليل منَ الصَـبْر على الشدائـد ، لذلك كـانتْ الآيتـان المُتتاليتان : ( فإنّ مـعَ العُـسْـر يُسْـراً ، إنّ مـع العُـسْـر يُسْـراً ) الشرح 5 ، و نُـلاحظُ :
إنّ كـلمة [ العُسْـر ] هي [ مُعرّفة = الْ التعريف ] ، لذلك إذا تكرّرت مـرّتين ، فهي [ عُسْـرٌ واحدٌ ] فقط ، بينمـا كلمة [ يُسـر ] غيْر [ مُعرّفة ب - ال - ] ، لذلك عندمـا تكرّرت مرّتين ، فتعني مـرّتين .
أيْ توضـحُ الآيتان الكريمتان أنّ مـع كلّ [ عُسـرٍ ] يأتي [ يُسْـريْن ] ، كمـا أوضح الحديثُ النبويّ الشريف على صاحبه الصلاة و السلام ، لذلك يجـب عـدَمَ التشاؤم و اليـأس في الحيـاة أبـداً أبـداً ، بل القليل منَ الصبر على المصاعب و سيأتي النجـاح و الأمل .
.
إنّ اللّـه سُـبحانه و تعالى خـلقـنـا كـيْ نكـونَ [ فقـط ] سُـعـداءَ و فـرحين بكلّ السَـعادة في الدنيـا و قبْل الآخـرة ، لذلك جعَلَ هـذا الديْن في غـاية [ اليُسْـر ] ، كمَـا قال الرسول الكريم صلى الله عليه و سلّم : [ إنّ هـذا الدينَ يُسْـرٌ ] ، و قال تعالى عن هذا الدين أنّـه [ حـنيف = مَـرِنٌ جـداً ] : ( قُـلْ إنّنـي هـداني ربّـي إلى صـراطٍ مُسـتقيم ، ديْـناً قِــيَــمَــاً ، مـلّةَ إبـراهيْـمَ حـنيفـاً ) الأنعام 161 ، فـالدينُ هُـوَ : [ القِـيَـمُ ] و الأخلاق كمَـا توضحُ هذه الآية الكريمة ، و أيّ إنسـانٍ يُنكِـرُ [ القِـيَمَ ] و الأخلاق ؟ !! .
فَـلا تسْـتمعْ لأقـوالِ [ المُتشَـدّدين ] عن جهـلٍ ، فالله ذاتُهُ يقول : ( مَـا جعَـلَ عليْكُـم في الدينِ مِـنْ حَـرَجٍ ) الحج 78 ، أيْ : لـمْ يجْعلْ أيّ حـرجٍ كان في هذا الدين .
.
(
هُـوَ الـذي يُـصـلّي عَليْكُـمْ و مَـلائـكـتُـهُ ) الأحـزاب 43 :
إنّ اللّـه قـدْ أعطـى رسُـولـه الكريم صلى الله عليْه و سلم هـذه المـيْزة : ( إنّ اللـه و مـلائكـتُـهُ يُـصـلّونَ على النبيّ ) الأحـزاب 56 ، وَ اللّـه سُـبحانه في عـدْلـه [ المُطـلق ] قَـد أعطـى هـذه المـيزة أيضـاً [ لكُـلّ ] مـؤمنٍ و مؤمنـة ، كيْ لا يكـون في صدورهم [ غصّـة ] أنّهُـم محرومونَ من هـذه الميزة ، فقال تعالى و بذات السورة [ سورة الأحزاب ] و حتى قبلَ الآية التي تحدّثت عن الرسول [ الآية 56 ] ، قال تعالى يُخـاطب المؤمنينَ و المؤمنـات : ( يـا أيُهـا الذين آمنـوا اذكـروا الله ذكْـراً كـثيراً ... هُـوَ الذي يُصـلّي عليْكُـم و مـلائكـتُهُ ) الأحـزاب 43 ، فطـالمَـا أنّ الله و مـلائكتُهُ [ يُصـلّون ] على كلّ مـؤمن و مؤمنة ، فلمـاذا الحُزْنُ و لمـاذا القلقُ و الخوفُ ..... ، افــرحـوا و اضحكـوا لهـذه الميزة الكريمة من ربّ كـريم رحيم ، و لا تسـمعوا للتخويف و التهويل و خُـطَـب الـرُعْـب .... .
.
مـيـزة اُخْـرى :
قـدْ يكُـونُ المؤمنُ و المؤمنة في حـالة النـوم أو اللهْـو أو العمل ..... ، مع ذلك خصّـصَ الله سُبحانهُ بكَـرمِـه [ مليـارات المـليارت ... ] منَ الملائكـة الكـرام ، كيْ [ يسْـتغفرون ] بـلا توقّف للمـؤمنينَ و يطلبون لهُمْ جنّات [ عَـدْن ] بالـذات : ( الـذيْنَ يحمـلونَ العـرْشَ و مَنْ حـولـهُ ... و يسْـتغْفرونَ للذينَ آمنـوا : ربّنـا وسِـعْتَ كلّ شـيْءٍ رحمـةً و علْمـاً ، فاغْفـرْ للّـذين تأبوا و اتّبعُـوا سـبيلك ... ربّنـا و أدخلْهُم جنّات عَدْنٍ .. ) غافر 7 / 8 ، أليْسَ هذا يدعو للسعادة و الفَـرح الدائـم ؟ !!! .
.
فَــلْــيفـرحُـوا :
لقَـدْ أرْسَـلَ الله رسوله الكـريم صلى الله عليه و سلم ، كيْ يطْلُـبَ منَ المـؤمنين أن : [ يفـرحُـوا ] ، و ليْسَ [ يبـكـوا و يـتبـاكو ] ، فقال تعالى : ( قُلْ : بفضِْل الله و برحمتـه فبذلك ، فلْيفـرحـُوا ) يونس 58 ، فـافرحُـوا و لا تسمـعوا لمَـنْ يطلُب منكُم أنْ [ تبـكوا ] .
.
(
إنّ ربّكم لـرؤوفٌ رحيـم ) النحل 7 :
من الناحية اللغويّة : نجد حرف [ اللام ] في كلمة ( لرؤوف ) ، و هذه اللام تُسمّى [ لام المُزحلقة ] و تأتي مع [ خبر إنّ ] للتوكيد ، أي : أنّ الآية الكريمة [ تؤكّد بشكلٍ قاطع ] : ( إنّ ربّكُم لرؤوفٌ رحيم ] النحل 7 ، ( إنّ الله بالناس - لـرؤوفٌ رحيم - ) الحج 56 .
و ألدّ أعداء الله في الأرض كان [ فرعون ] الذي قال : ( ما علمْتُ لكم منْ إلـهٍ غيري ) القصص 38 ، مع ذلك أرسل الله له رسولين [ موسى و هارون ] ، و أوصاهُما بالتعامل معه باللّطف و اللّين : ( فقولا لـه قـولاً ليّنـاً لعـلّه يـتـذَكّـر أو يخشى ) طه 44 ، فيجب عدم اليأس منْ رحمة الله أبداً : ( إنّه لا ييأسُ من روح الله إلاّ القوم الكافرون ) يوسف 87 .
فأحبّ إلى الله أنْ يغْفر منْ أنْ يُعذّب ، لأنّه : ( لا يرضى لـعباده الكفْر ) الزمر 4 .
.
(
إنّ الله يُدافـعُ عن الذين آمنـوا ) الحج 38
إذا كان الله سبحانه [ سيُدافـع ] عن الذين آمنوا يوم القيامة ، فكيف سيُعذّبهُم و لو لحظة واحدة ، و كلّما ذكرْتُ آيـات رحمة الله بعباده المؤمنين ، يُسارع [ البعْـض ] بذكْر آيات [ العـذاب ] و كأنّ هذه الآيات تخـصّ المؤمنين ، و أنّ المؤمنين أمامهم الويلات يوم القيامة ، مع العلْم أنّ [ آيـات العـذاب ] تخـصّ الكافرين حـصراً ، و المؤمنين ليس لهم علاقة بهذه الايات أبداً ، لقوله تعالى : ( أ فَنجعلُ المسلمين كالمجرمين ) القلم 35 .
الله يقول بكلّ صراحةٍ و وُضوح : ( و كان بالمؤمنين رحيماً ) الأحزاب 43 ، ( إنّه كان بكمْ رحيماً ) الإسراء 66 و الخطاب هُنا للمؤمنين ، و لو كان الله يُريد [ العذاب ] للمؤمنين ، فلماذا أمَر [ مليارات ] من الملائكة الكرام بالاستغفار للمؤمنين ليْل نهار ، تأمّلوا من فضلكم قوله تعالى : ( الذين يحملون العرْش و مَنْ حوله يُسبّحون بحمْد ربّهم و يؤمنون به ، و يستغْفرون للذين آمنوا : ربّنا وسعْتَ كلّ شيْء رحمةً و علْماً ، فاغفرْ للذين آمنوا و اتّبعوا سبيلك ، و قٍهمْ عذاب الجحيم ، و أدخلْهم جنّات عدْنٍ التي وعدتهم ) غافر 7 فاطمئنّوا اطمئنّوا فالله سيُدافع عنكم يوم القيامة : ( إنّ ربّكم ذو رحْمة واسعة ) الأنعام 147 ، جعلكم الله منْ أصحاب دُعاء الملائكة الذين يحملون العرْش ،
.
و عين الحكْمة أنْ يؤمن [ المُلحدون ] ، فإذا كان ما يقوله الرسول صحيحاً سيفوزون بالآخرة ، و إلاّ لن يخسروا شيئاً من إيمانهم لقوله تعالى : ( و إنْ يـكُ كاذباً فعليه كذبُه ، و إن يـكُ صاـدقاً يُصبْكم بعْـض الذي يعِـدكم ) غافر 28 ، لذلك : ( سارعوا إلى مغفرة منْ ربّكم ) آل عمران 133 ، فالله يُحبّكم و هو : ( أرحم الراحمين ) يوسف 92 .
.
جـذْع النخـلـة :
على الإنسـان أنْ يتذكّـرَ دائمـاً [ جـذْع النخْـلة ] و أنْ [ يهـزّهُ ] إذا شـعرَ باليأس و تمنّى المـوْت ، و هذه الحكمـة البالغة التي أعطـانا الله إيّـاهـا عن طـريق مـريم عليهـا السلام ، فقـد كـانتْ مـريمُ في حـالة انهيـارٍ نفسيّ و جسْميّ و صحّي ..... ، فهي الحاملُ دونَ زواج ، و في حالة المخاض و مشاكله و آلامـه ، خائرة القوى منهكـة ... ، حتّى أنهـا قالت : ( يا ليْتنـي مِـتّ قبْلَ هـذا و كُـنْتُ نسْـياً منسـيّاً ) مريم 23 ، فكانَ الأمـرُ لهـا : ( و هُـزّي إليْـكِ بجـزْع النخـلـة ، تُسـاقطْ عليْكِ رُطـباً جـنيّاً ، فكلي و اشْـربي و قَـريّ عيْنـاً ) مريم 25 ، أيْ : لا تيأسي أبـداً ، و لو أنّـك تعلـمين علْمَ اليقين أنّ قِـواك المنهارة لنْ تـؤثّرَ [ مُطـلقاً ] بالنخلة ، مع ذلك عليْك أنْ : [ تهـزّي النـخلـة ] .
فعلى كلّ إنسانٍ يصل بـه اليأسُ إلى أبْعـد مـدى ، عليْه أنْ لا ييـأسَ ، و أنْ [ يهُـزّ جـذْع النخلة ] .
و افْعَـلِ الخَـيْرَ ، و لا تكْـسَـلْ ، فَمـا ...... أبْـعـدَ الـخـيْرِ علـى أهْـلِ الكَـــسَـلْ
لا تقُـلْ : قَـدْ ذَهَـبــــتْ أيّــامُـــــــهُ ...... كـلّ مَـنْ سَـارَ عـلـى الــدرْبِ وَصَــلْ
ليْـسَ مَـنْ يقْطَــعُ - رأسَــاً - بطَــلاً ...... إنّمـا : مَــنْ يـنفَـعِ النـاسَ البَطَـــــلْ
إنّمـا : مَــنْ يَــتّـقِ اللّــهَ البَطَـــــلْ ........ إنّـمـا : مَــنْ يَــتّـقِ اللّــهَ البَطَـــــلْ
.
لكـم كلّ المحبّة و الشكر الجزيل منَ القلب ، لتعليقاتكم و مداخلاتكم الكريمة التي تدلّ على ذوقكم و كَـرَم أخلاقكم و سـعة ثقافتكم و المنْطق السليم لديكم ، و صلى الله و سلّم على [ صَـاحب الـخُلُق العـظيم ] ، و تفضّـلوا بقبول أسمى آيات العِـرفان و التقدير و الاحترام.